كم من الكتب قرأتى ؟؟
قرأت الكثير من مكتبتك سيدى
بخلاف ما قرأته من كتب لم تحويها مكتبتك
إذن قرأتى فى السياسة , فى القانون , وفى ..... ( صمت ونظر إلى مكتبته ثم وقف فى حزن , شارد الفكر ينظر على الخارج متخيلا المدار حول الفيلا من خلف الستائر ومن بين الإضاءة الخافتة التى تنير البيت بأكمله )
نعم .. قرأت كل الكتب سيدى
كلها .. ( قلتها وأنا فى توجس وخوف وقلق عليه , قلتها وأنا منكسرة تتساقط دموعى على الأرض )
رفعنى إليه ثم قال
( هل تعلمين لماذا أنتى هنا الآن ؟؟ )
لا أدرى حقا .. سوى أنى نظرت لعينيكِ أول أن قابلتك فأحسست براحة كبيرة
لم أستشعر الأمان سوى وأنتى معى
أريد أن أجلس معكِ كثيرا , نحكى كثيرا , فلا تتركينى مشردا شريدا مهما حدث
ولا تنادينى سيدى ثانية
فأنتِ معى هنا روحى التى أحدثها , ولا سيّد بينى وبين روحى
قلت وأنا منهمرة فى البكاء
إذن دعنى أناديك أخى
أرددها ( أخويا , أخويا , أخويا )
بادلنى هو الآخر بكاءه , ربما لأنه وجد من يحتويه , أو ربما لسبب لا أدريه بداخله
دار نهارنا فى بكااااء طويل حتى غلبنا النوم
وذات يوم من أيام الظلمة فى الفيلا حيث ترك الكل أخى وهربوا ولم أرد إلا البقاء معه , فمن لى سواه
نادانى أخى بصرخة أن أغلقى الأبواب واطفئى الأنوار
فعلت مسرعة ما أمرنى به ثم صعدت إليه فى غرفته فوجدته منهكا يردد ماذا فعلت .. ويلى .. ماذا فعلت
جلست لجواره حتى هدأ قليلا ..
أخى .. ما الذى يحدث هنا؟؟
ماذا يجرى ؟؟
ألست روحك ... فافض بما بداخلك .. ربما وصلنا لسبيل
حواه صدرى ودموعه تنهمر , وقلبى على أخى ينفطر , لا أدرى ما به , ولا أفهم ماذا فعل وما المصيبة التى أدخل الجميع فيها وهرب الكل من حوله وتركوه
فجأة وقف وقال لى .. إننا فى خطر .. عليكِ الرحيل من هنا الآن .. الآن
ثم دفعنى لغرفتى وجمع ملابسى وبحركات هستيرية مفاجئة
فتح الباب
ثم فجأة صمت ..
نظر بعيونى فوجد بها نظرة غريبة حتى أنا نفسى لا أستطيع أن أمنحها معنى
أغلق الباب ثانية وأخذنى بين ذراعيه وقال لى آسف
قلت له .. وهل لى مأوى سواك أخى .. اجعلنى معك فإن كانت نهايتنا فلنكن سويا .. فماذا ستعنينى الحياة دونك سوى وحدة وألم .. سأبقى هنا معك
هيا لنرفع ستائر الظلام عن البيت .. ساعدنى لنصنع حاضرا جميلا ومستقبلا أفضل
توجهت إلى محول الكهرباء أرفع أذرعه .. فإذا به يوقفنى .. لا تفعلى , سيقتلونا بمجرد أن يعلموا بوجودنا
سيدمرونا
تعالى معى سأوريكى شيئا , ولتكن أمانتك حتى إذا مت
لا تحمّلنى ما أجهله أخى , كن معى , لا تنتظر الموت , بل عش الحياة وسأبقى روحك وأمانك , سأظل أنا ملاذك وراحتك .
لا وقت لهذا الكلام , تعالى بسرعة فالوقت يجرى بنا , وطريقى نهايته قتل , وها هى النهاية أمامى أراها , وعلامة الموت هناك خارج هذا الباب , لكنها تحمل سهما رأسه لتحت , تعنى أن قبرى حطام ما بنيته بقسوة , جهل , قتل , و دمار.

أقف معك هذه الجلسة لأجاوب حيرتك وسؤالك الثانى
كيف من لها كل هذا الماضى تحدثك بهذا الأسلوب وبهذه اللباقة والتصويرات
وكيف قرأت عناوين الكتب بمكتبة أخى
أعلم أنى أخبرتك أن أغلب العناوين كانت تدل على كتب تخص المخططات والقانون والسياسة وفن التعامل والمافيا والمخدرات
هذا بالإضافة إلى ما كان يشغل أخى من أمور اخرى عادية تحويها مكتبته
أتذكر ملجأى الثالث ؟؟
نعم الخرابة , مقلب الزبالة
هنالك وفى يوم كنت أجلس شريدة الذهن , أتت فتاة جميلة , فى مرحلة التعليم الجامعى
أقبلت فى ابتسامتها الجمييلة جدااا وسألتنى عن اسمى , فأخبرتها
سألتنى عن حالى , فقلت بائس سيدتى
سالتنى عن جلستى هناك , فقلت مأواى وهل لى مأوى آمن سواه
سألتنى عن الورق بيدى , قلت لها بداخلى عزاء كبيير أحاول أن أصنعه بين يدى
فقالت ارسمى اسمك
قلت أجهله وأجهل أحرفه
فوجهتنى إلى حيث أتعلم رسم اسمى , فالتحقت بفصول محو الأمية
وكانت هى من ترعانى وتتبع تعليمى وتشرف علىّ
وأسعدها تقدمى السريع فيما أكتب وأتعلم
كانت بدايتى بين يديها
كنت أفضل من يدرس على الإطلاق , فرغم أساى إلا أن عقلى منحنى قبول لكل المعلومات
ذكائى وفطتنتى ربما أعيدها لأبى الهالك فى الخمر والسوء , ربما هذا ما أسامحه به ..!!!
أو ربما أعيده لأمى البائسة فى دنيا مهلكة , الضائعة بين أبناء كثيرين وبين حالها وزوجها وبين الناس المتآمرين عليها وبها وبأولادها , ورغم ذلك إلا أن ذكاءها هو ما دفعها للخروج من كل مأزق
لن أفاضل بين ذكاء أيهما , المهم أنى أخذت خليطا منهما منحنى تقبل العلم والمعرفة
كنت أجلس مع سيدتى وأوقات أخرى مع مدرس آخر اتفقا على أن يجعلانى على علم بعلوم الدنيا والقراءة والكتابة .
أسعدتنى أيامى تلك , وأسعدنى شكل اسمى كلما رسمت أحرفه , وأسعدنى أكثر أنى علمت أسماءً مما علمها المولى سبحانه لأبينا آدم
كم هى بائسة الحياة بعيدا عن العلم والمعرفة
وتعلمت أكثر عندما منحنى أخى هذه الفرصة بين أيدى الأساتذة الكبار
ومنحنى فرصة الالتحاق بمجالس العلم الكبيرة , والمثقفين
كنا ندور ونجول ونصول أنا وأخى .. وليت بإمكانى أخبره أنى أخته قبل أن أكون خادمته

فى وضح النهار , أسير وحدى أقلب فى عيون البشر , وأنعم بأعين الهرر الخضراء
فى وهج الشمس , أترك جلدى يحترق , ولا أشعر إلا برائحة كرائحة الكبريت المشتعل
لا أدرى وجهتى , سوى أنى لابد أن أكون فى البيت الذى سأعمل به خادمة قبيل العصر
تهت فى عالم نفسى , فى حزنى وألمى , فى سؤال لا يتركنى ولا يغفلنى .. وماذا بعد ؟؟
سمعت أصواتا تهزأ بى , تجرح حيائى , وأيادٍ تبطش بى , ,وأخرى تدمينى بما تلقيه علىّ
ظنّوا أنّنى بلا عقل , مثلونى بحيوان سَعِرْ , رأونى ولحمى يلاصق عظمى , وجلدى بلون القار من الشمس
أغفلوا أنى منهم , خافوا منّى
حتى وجدت سيارته تمر من جانبى .. فأبطأ السير وعيناه بعينى
تبسمت له رغم ألمى وحزنى
ودهش لحالى وصمتى رغم انتباهى ووعيى
راقبته من خلف أسوار الحديقة الكبيرة الملاحقة للفيلا التى دخل إليها بسيارته
كنت كعين أخت سيدنا موسى عندما طلبت منها أمها أن تتبع أخاها إلى أين سيصل به قدره
أكملت نهارى وأنا أدور حول السور أحاول أن أراه من كل فارغة من فوارغ الأسلاك
لم يساعدنى جسدى على الصمود بعد عناء النهار الطويل والشمس الحارقة , فنمت كما لم أر النوم منذ أعوام
لأجد وأنا فى يقظتى أناسا من حولى ينظرون إلى , يتساءلون , يقولون لصا , ويقولون داعرة , ويقولون جاسوسة , لا تنتهى أقوالهم ما دامت أفواههم تسيل لعابا لا يرد ألسنتهم عن صمت الكلام
هنالك قمت واقفة ونظرة نظرة احتقار لكل عين منهم
لملمت أجزاء ثيابى المتهدلة , أخفيت عن أعينهم بعض ما ينظرون إليه من بين ثيابى المتقطعة وجسدى الضعيف الهالك
أقبل حارس الفيلا على اللمة المحتشدة يرى ماذا بين الجمع , فما أن وجدنى حتى أخذ بيدى وأدخلنى سكنه وألبسنى من جلبابه وأعطانى مما يأكل وراعانى حتى طعمت وشربت
نظرنى مسائلا ما حكايتك ؟؟
من أنت ؟؟
وسمع السيارة قادمة نحو البوابة , فقام مسرعا نحو البوابة , وقمت من ورائه أنتظر أرى أخى
وللمرة الثانية وفى ثانى يوم يبطىء بسيارته وعينه بعينى , لكن عينه تتحدث فى شدة تحمل مشكلة شديدة لم تمهله السؤال عما يراود فكره
وقدمنى العجوز ( حارس الفيلا ) إلى كبيرة العاملين أننى الخادمة الجديدة , وعاد ليرانى أقف أمام صورته داخل غرفته التى نظفتها مسبقا , أقف مبتسمة وعيناى تبكيان , فأجده يدنى منّى ويسألنى , أتذكر أنى رأيتكِ من قبل , ترى أين ؟؟
وراح وجاء وأنا أنظر إليه حتى تذكر فقال .. نعم , رأيتكِ مع السيدة التى كان والدى يعطف عليها بالمال كل شهر , إذن أنتِ هنا بأمرٍ من والدى
لكن لماذا تقفين هنا فى غرفتى ؟؟
وقف الدمع المسكوب من عينى , لست لصا يا سيدى
بل تعجبت لهذه المكتبة الكبيرة فى غرفتك , ووقفت أحاول قراءة العناوين بكل كتاب , محاولة ألا أنسى ما تعلمت من رسم الحروف وأشكالها
تعددت حواراتنا والتقينا كثيرا وابتسامتى تخترق أحشاءه فى صمت وسكينة , فكان يستشعر الأمان بى ومعى
فأتممت تعليمى بتوصية منه , وكنت ملجأه وبئر آلامه وأسراره إذا ضاقت به نفسه , فكنت القريبة منه كما كان المفترض من سنوات مضت .. بدأت حياتى الجميلة تقترب منى ... توقعت ذلك .

انتظرتك تسألنى هذا السؤال الذى أراه بعينيك مذ بدأت جلساتى معك
لكن يبدو أننى فقط من أتكلم وأنت من تسمعنى إلى النهاية
هذه مهنتك أعلم .. ولذلك سأجاوبك دون أن تسألنى
ولكن لا تمل حديثى
فأنا أملك عمرا .. كل يوم فيه هو يوم من أيام حياتى .. وهو أيضا صورة لحياة أناس يعيشونها متفردين بها عن باقى أيامى
طالما حدثتك عن التيه فى عيونى وكأنى فى المحيط الهادى ؛ الغير هادى
وعن السحابة السوداء بغيمات عقل أمى لا تجد ملاذا لى
ولكنى أخبرك أن أحداث فيلم تتكرر .. هذا الفيلم شبيه بحياتى
هل رأيت كيف باعت سيدة الجراج أولادها لأنها لا تجد ملاذا لهم خاصة بعد مرضها
نعم بالمثل ... أمى وزعت علينا أعمالا وعلى اخوتى
فأخذ الأثرياء أخى الكبير
وأخذ اللص أخى الذى يصغره
وأخذ أمى مرضها بأبى ... سرطان كبيييير يهتك جسدها , ينهكها , يسرق سر حياتها بنزعات ألم كل ثانية من عمرها .. واءسفاه عليكِ أمى
منذ أعوام لم نر اخوتى
منذ أعوام حوى اللص والثرى أرواحا ليست منهم لتكن بينهم ووهما بأنهم منهم ولهم
ويعاود اللص أمى يعطيها المال مقابل دفن سر الطفل النابغة النشال الماهر والصبى فاتح الخزائن , ذاك الضعيف الهالك , بجسد واهن , وعظم كأعواد القطن الرفيع اللين , واللسان الذى يتعدى طوله بمترين .. أقصد ( لماضته ) , أما عن عقله فحدث ولا حرج .. فهو المخطط , وهو العين المعدة والمدبر , وهو اليد الواجب قطعها من جسد سلسلة اللصوص المتوالية .
لم أدر يوما بهؤلاء الأخوة إلا هذا اليوم
أتتنى أمى وأنا أجلس كالقرفصاء أضع رأسى بين يدى , أنام .. قل أدفن رأسى كالنعام من الخوف .. قل أهرب .. سأترك لك المسمى , فسمّها ما تشاء
أخذتنى أمى بين يديها وقالت
بنيتى .. أؤمنكِ سرا .. فأتمنيه حرصا على حياتك وحياة اخوتك
زادنى الخوف هلعا وجن جنونى وثرت أين هم .. وأنا أبحث هنا وهناك عنهم فرأيتهم يتلاهون أمام الدار فى أمان لو تخلفنا عن أمان الجوع والسقم
وتزيد أمى دهشتى التى رأتها وعيناى تسألها أين هو هذا الخطر عليهما
إذ أخبرتنى
ليس هؤلاء فقط اخوتك
وأكملت حديثها تخبرنى عن سر واحد فقط .... نعم .. هو ذاك النابغة صاحب اليد واللسان الطويلين
أوصتنى بكتم السر أمانة وحفاظا عليه وعلى حياته من القتل
وأخبرتنى أنى سأكون فى حمايته دون أن يدرى , وسأكون العين الراعية له الحانية عليه فى ظلمة العمل الذى يرسمه حياته ومستقبله الباهر المزدهر
يا ويلى .. أرانى تنقشع عنى غمة .. فتتبادل مكانها غيامات من السواد تطفىء ألوان القوس الضئيلة بلوحتى.
من هنا تبدأ حياة أخرى .. تحوى فتاة تبلغ من العمر خمسة عشر ربيعا.

عاندتنى الحياة بكل مقاسيها
لا أعاتب الحياة
ولا أبحث عن السبب لهذه القسوة
لكنى أؤمن أنى فيها أحيا
ونهايتى ليست بيدى
ليتها كانت بيدى
لكنت أنهيتها ببراءتى يوم رأيت الحياة
أؤمن بقدرى وأرضى
لا تتعجب
نعم أنا راضية
لأن لى هدف وغاية ليست فى هذه الحياة
كل ما يحدث لى , حولى , ليس إلا مجرد وسائل , سبل , وأسباب
حقا لم أر هذا الجانب الجميل من الحياة إلا قليلا , لكنه كان كباعث النور يغطى دخان أيامى وعتمة الليال
رق حال أمى لى , رأت فى فتاة تجسدت ملامحها , وتوسمت هيئتها , ودُنّسَت تضاريسها بخوفها , بصمتها , بعدم فهمها , ربما سذاجتها , لكنه حتما جهلها
نظرتْ أمى نظرات طوال , تُحادث عيناها عينىّ فى صمت
كأنها كانت تسألنى كيف حالك
أو كانت ترى مذلتى
ولكنى أشهد أنى رأيت بعينيها حيرة أؤكد لك أنى على يقين من سببها
فما عاد يهمها إلا إلى أين ستأخذنى الحياة
فلا ملاذ لى سوى الدار والكوبرى , أقصد أسفله بالخصوص
لكن أمى لم تكن تعلم أن لى مأوى ثالث أعيش فيه وحدى
ألهو فيه
أنام فيه قيلولتى
أنافس القطط والكلاب فيه على قوت يومهم
أتابع فيه سريان النمل حتى أصل لمصدر فتات الخبز الذى يحملونه
نعم إنها تلك الخرابة أمام دارنا , صديقى إن شئت فقل
زبالة , مخلفات , .. إلخ
إلا أنه كانت تمر على أيام لا أجد مأوى سوى الشارع فأظل واقفة أو أسير حتى يغشى الليل النهار
كنت أضيق بمأواى إذا ضاقت نفسى طول بحثها فلا تجد قضمة الثريد أو قطعة لحم
وما أسعدنى من يوم أجد فيه قلماً يحوى من الحبر ولو بعض المليميترات
كنت أجمع ما أجد من الورق , أفرده من ثناياته , وأطويه ورقةً داخل ورقةٍ , أحتفظ به فى مخدعى بعيدا عن شرر النار والتبغ المحترق المتساقط من السجائر
كنت ألمح الخطوط فى السماء
والطائرات الورق بخيوطها الملفوفة حول أصابع الأطفال
لكنى لم ألتفت ولم آنس سوى بألوان الأغربة ولون السماء أعلى محرقة المصنع العالية
لازلت أحتفظ بوريقاتى , رسوماتى , بالأدق شخابيطى , وخطوطى السوداء
حتى سماء نهار لوحاتى لم أخلّصها من العتمة
ربما تراها للوهلة الأولى فتعلّق .. أرى خطوطا بيضاء تعبر الظلمة كما لو كانت أقواس قوس قزح تنحنى لتنثر روحا جديدة , وربما جميلة فى هذه الحياة

لماذا تنظر إلى وكأنك تنتظر بكائى على الماضى خاصتى
لا يا سيدى , لا تحسبنى سأبكى , ولا تنتظر
فلأتابع ولتنظر إلى وكأنك تسمع بشوق ما تحكيه شهرزاد
ولكن احذر
فلا تعد للنهاية .. أو تسأل متى
لا تشغل بالك
فلا يزال الفجر بعيدا والديكة نائمة
كل يوم كنت أعد الطعام بقدر ما تأتى به أمى من خضار وما تحويه الدار من حبوب وأرز
كما كنت أعد لجلسة الاستئناس خاصة أبى
فأغسل الشيشة والجوزة , وأصفى ماءهما , وأعد الحجر , وأصنف المواد , وأملأ زجاجات الكحول .
وأراه هذا الرجل بنفس النظرة المخيفة المتفضلة يتابع جسدى فى كل حركاته وسكناته
ويوما نظرت إليه أتابعه أنا من بين فواصل الخشب بالباب الذى أقف وراءه المقابل لجلستهم
فوجدته يشير إلى مكانى وينصت إليه أبى فى فرح ونشوة , ثم يطول الحديث وتلهّى بعيدا عنى
ثم وجدته يدفع لأبى , ظننت أن المال بيديه هو أجر مزاجه وليلته
وغاب الجميع عن وعيهم كما يفعلون كل ليل بل وكل يوم أيضا
ونادى أبى علىّ بعلو صوته تعالى وامرحى فهذا سعدك أتاكى
وأشار أبى لمجلسه بينه وبين الرجل الذى كان يلقى بسهام نظراته على جسدى , فذهبت وجلست
وليتنى ما جلست ولا حتى ذهبت , لولا خوفى من يد أبى تبطش بى فتدمينى
جلست لجواره فما وضع عينيه فقط إلا ومد يديه وأبى يضع يديه على قدمى يمنعنى عن القيام , وينظر إلى بشدة يخيفنى من رد فعله إذا قمت أو صرخت
وجدت الجميع فى الجلسة ينظرون بشهوة إلىّ
يتضاحكون ويتغامزون علىّ
يتحدثون فى ملامحى وفى معالم جسدى
أنا الطفلة فى الحادية عشرة لا أفهم ولا أعى شيئ , سوى أن جسدى الوافر وتقاسيمى تمنحنى سن السابعة عشر إذا ما عرفتَ منى مسبقا كم هو سنى
وبين لحظة والثانية
غمز أبى إلى الرجل باتجاه غرفته , فرفعنى الرجل بين يديه وحملنى وأنا ملجمة بنظرة أبى القاسية .
ذاك السكير أعمى القلب قبض مقابل ما دفع وخرج منتشيا فرحا ثم دفع الباقى وذهب
لأجد وأنا فى بكائى وحسرتى رجلا آخر من نفس الباب يدخل مترنحا حاملا بين يديه ورقة من فئة المائة جنيه قائلا دفعت مثلها لأبيك والضعفين , وارتمى بجسده علىّ
صرخ جسدى من الألم ولم يلبى لسانى خوفا من السوط
وما أن ذهب الواحد تلو الآخر دخولا وخروجا علىّ
حتى أخذها أبى مهنته فكان يقف مستمتعا بالتأوهات وهم يأخذون مقابل ما يقبض هو مع دخولهم وخروجهم علىّ
وأنا على هذا الحال يصمت جسدى تحت أجسادهم كتمثال شمع
يذيبه الألم ولا يصدر آها ولا يئن
مرت بى الأيام يوما بعد يوم
وما علمت يوما أنى بلغت
وقفت على عتبة الثالثة عشر
وأنا الأخرى أجد اللذة كلما رفضت أو هددت فيعطينى أبى مالا ويزيد
ويعطونى هم أيضا من ورائه كلما تدللت عليهم
كل منهم كان يأتينى بثياب هى أحلى ما يرانى بها
يتنافسون وأنا أثير تنافسهم فأعرض ما يأتون به على بعضهم البعض وأختار منهم وأشجب الآخر فيعيطنى أكثر أو يبتاع لى الأغلى
وفى يوم حار وأنا وحدى بالبيت أقف أمام وبور يحط أعلاه إناء كبير من الأرز
طرق الباب بقوة وهمس
وسمعت أبى يدخل يتمتم بكلمات لا معنى لها يغنى ويترنح ويقع ويقف
وأنا لا أبالى فهذه عادة , ليس من غريب ولا جديد سوى قدومه من الكباريه من جلسة الراقصات والعاهرات
رآنى أقف وجسدى يلمع وتحدد فى قميص النوم الأحمر وشعرى المتدلى ورائحة البرفان تفوح من جسدى
وما هى إلا أبحث عن سبب صمته فأدير وجهى لأرى الشر بعينيه كما رأيته لأول مرة حملنى صديقه منذ عامين
فحملنى وأوقع بى وإذ بى أدخل فى حالة من فقد الوعى
لا أطيق الكلام ولا الحديث ولا أن أصرفه عن جسدى الواهى
لكنى بالكاد أسمع ما يجرى حولى
ورغم ما أنا فيه فذئبه لم يتركنى
ودخلت أمى لتراه منكبا على وأنا أنزف بالدماء كغارقة فى بحر أحمر مذاقه مر
ووجدتها مَن كرهتها هى من تدفعه عنى وتحملنى صاحبة الجسد الضعيف المتهالك وتجرى بى إلى المستوصف القريب ليخبرها الطبيب أنه كان سقطا لحمل
حمل , وأى حمل , وأنا ما رأيت أثرا لدم قط
عادت أمى للبيت وحدها تخبط أكفها وتلعن السبت يوم أنجبتنى ويوم تزوجت من الوحش
ودخلت عليه بثورتها , فما أغاثها من سطوة سوطه سوى تشقق يديه وألم رسغيه
وهددها بقتلى ودفن فضيحتى معى لو أنها هجرته
لم أكن أعرف سبب كرهك لكننى اليوم عرفت
وعرفت من يلزمنى كرهه ومن يلزمنى تقبيل قدميه

إن كان البحر حياتنا التى اخترنا الإبحارَ فيه, وسكونه فى ليلة شتاء صدرك تدفئنى فيه, وموجاته العاتيات هموما تدافعت تغرقنا فيه.. فإنى أثق بك لأجدنى دوما بأحضانك تبحر بى لشطه الأمين.. أما قلت لى ياقدرى يوما أنك تستطيع السباحة والغوص فيه !!

شِـــق الـقــــمر


تنظر إلى الضوء من بعيد وتسمو بنفسك لتكون مصدر الضوء
ترقى لتنشر شعاعك فينير منهاجا فى ظلمة الليل
تلفت بعينيك فلا تجد إلا قوسا من القمر يبث ضياءه إليك
تعجب تندهش.....!!!!
ما باله لا يكتمل ليصبح ذاك البدر وضاحا ينثر من إشعاعه فيضىء طريقك والكون
وتتساءل وتنكر على الشمس قدرة انعكاس ضوئها لتمنح القمر دائرة الضوء
فيلحق الشق بك ليخبرك إذا ما توازعت نسمات ضوئى على سطح كرتى لتاه إشعاعى فى عتمة الضوء
فلا تنظر لسعةٍ دون وضوح ولكن اتبع ضوئى فستنظر الكون جلىّ
ذاك أنا لست البدر ولكنّى أحمل من التركيز ما يكفينى لينسبنى لصاحب الجمال ورومانسية الشعراء
ينسبنى لعالم السنان بين الكبار
ادعونى كما تدعونى
ولكن لا تنسوا
فضوئى نبراس
ذاك أنا أحمل طوق الضياء
وذاك مسماى
فأنا
شق القمر

متلـصـصــون

إننى على موعد مع الربيع


تنعزل عن العالم كله..تخشى العالم كله..ترغب فى ركن ولا تجده..تثور عليك معدتك..تشعر بألم بها يزيدك اضطرابا..يعلن هيجانه..يعلن صيحته..يغضبك..ينال منك

لا جديد فى بيتك..لا تغيير فيمن حولك..تريد أن تتغير..تريد أن تتقدم .. والكل واقف حولك

لتعود إلى حيث هم..وتقف وحدك..تبكى ولا تدرى هم أم أنت!!؟؟

قلبك الحنون , المجنون , الثائر , الملىء بالصخب والمجون يدور فى دائرة المجهول

ترى هل أحد يدرى ما به من صنوف... وما يدور حوله من دروب ..!!؟

تعاند , تثور , تلين , تغضب , تهجو , تمدح , تنتقد , تتكلم , تصمت ولا تتحدث , وفى النهاية

تتوحّـــد

إلى الشاطىء المقابل

نضحك.. وهل للضحك وظيفة إلا الإخفاء... .. فيا صانعا بسمتى (قلبى) حان لك أن تغلق الأدراج.. أن تسدل ستائر غرفة الماضى السوداء.. أن تخرج من غابات ليلك.. من صرخات مخاوفك.. أن تصم آذانك عن دوىّ موسيقاك المزعجة, قعقعات الأبواق, صرير صانعى السيمفونيات, دبيب أقدامهم, وعويل المطارق..



حان لك أن تبعث شمس الحاضر الدافئة من خلف الغيميات.. عد إلى مرسمك, أطلق لإبداعك العنان, وانثر الأخضر والأحمر وأطياف الروح.. بعثرها فى كل مكان, وانشر رياحين الجنان الغناء, وتنسم عبير مستقبلك النقى قادما إليك من نوافذ سماواتك الشفافة بطهرة المحيطات الزرقاء.. حرك برياحك سحبا فى كل مكان وامطر الأرض كسفا تسقى الميتة حبا وخيرا وجمال..




أحبــك


ءأمتعك التلصص!!؟